تحليل نص قصيدة الحجر الصغير لأبي ماضي
لماذا وقع اختاري على (الحجر الصغير)؟
(الحجر الصغير) لشاعر المهجر الكبير ورئيس الرابطة القلميَّة في المهجر الشمالي (إيلياء أبي ماضي)عملٌ أدبيٌّ الذي يكوِّن في مضمو نه قصيدة و يرسم في شكله قصة قصيرة مكتملة الأجزاء والعناصر الفنية.
– ثم اصطفيت من اتجاهات التحليل الأدبي (الاتجاه اللغوي) لإيماني أنَّ اللغة هي الحياة بل روح الحياة ؛ فحاكمت النَّصَّ – بقطع النظر- عن :
– صاحبه.
– وعن تجربته الإنسانية.
– وعن بيئته وأثرها فيه (القديمة والجديدة) .
– وعن ثقافته الأصيلة والوافدة.
– وعن مدرسته الأدبيَّة التي ينتمي إليها وهي المدرسة الرومانتيكية .
– وفق هذا الاتجاه اللغويِّ مُحَاوِلةً تطبيقَ كلِّ ما يتعلَّقُ به وَفْقَ خصائصِه الأسلوبيَّةِ .
*والحمد لله الذي مكنني أن ُأجَلِّي بعض الظواهر والقضايا اللغويَّة في هذا النَّصِّ.
النَّصُّ:
#تحليل_القصيدة_وفق_الاتجاه_اللغوي :
#توطئة:
الاتجاه اللغوي هو ذاك الاتجاه الذي يركِّز علي العمل الأدبي من حيث إنه لغوي وشكل فني قائم بذاته ، مستقل عن شخصية مبدعه ، وعن الظروف التي أحاطت بعملية الإبداع .
• فأصبحت اللغة في ظل هذا المنهج هي جوهر الأدب ، وهي عالمه الحقيقي ، والكلمات هي اللبنات التي تكون البناء اللغوي ، والتي تنتظم في عبارات .
•وينطلق الاتجاه اللغوي من الرؤية النصية في دراسة العمل الأدبي فهو يهتم بالعمل الأدبي عامة ، وبتراكيبه اللغوية ( اللفظية والنحوية والصرفية والصوتية ) خاصة ، وذلك للوصول إلي أبعاد الدلالات التي تكمن في تركيبه اللغوي .
•وهكذا يتَّضح أن أصحاب الاتجاه اللغويِّ لا يقفون في تذوقهم للنص الأدبي عند المعاني المباشرة ، وإنما يتعدون هذه المعاني لسبر أغوار النص ، واستخلاص المعاني والدلالات الخفية .
•والأديب عند أصحاب هذا الاتجاه لا يكتب أفكارا ، إنما يكتب ألفاظا تحمل في طياتها أفكارا أكثر مما أراد الأديب التعبير عنه .غير أن حماس بعضهم ، واندفاع البعض الأخر إلي العناية بالقالب اللغوي في الأدب والبحث عن المعاني الخفية ، والإمعان في تأويلها ، أدي إلي تحميل العمل الأدبي بتأويلات كثيرة لا توجد فيه ، ولا يتحملها العمل الأدبي نفسه .
إن من أهم المظاهر الأساسية الدالة على الحركية التي عرفها الشعر العربي الحديث في تجاوزه لمرحلتي إحياء النموذج وتكسير البنية ظهور ما سمي حديثا بشعر الرؤيا، الذي يعبر عن موجة جديدة من النظم والإبداع الشعري، نسج عبرها الشعراء روائع شعرية تغري القارئ بنكهة إبداعية خاصة. فقد اتخذ تجديد الشعر العربي منحى لا يقف عند مجرد اللجوء إلى هندسة مغايرة في توزيع الأسطر الشعرية والتفعيلات والوقفات العروضية والدلالية حيث انفتح على مستوى آخر انتقل فيه شعراء الرؤيا إلى النبش في عوالم إنسانية.
#المفهـــوم_الرؤيـوي_للقصيدة :
يراد بمصطلح (الرؤيا) ، «البعد المتجاوز لكل ما هو مادي وواقعي وجزئي، فالرؤيا بهذا المعنى مرتبطة بمنطقة الحلم، تتجاوز حدود العقل وحدود الذاكرة».
أما في مجال الإبداع الشعري، فإن الرؤيا «تشكل موقفا جديدا من العالم والأشياء، وهي بذلك عنصر أساس من العناصر المنتجة لدلالة القصيدة الجديدة، إلى حد أصبح فيه الشعر، عند شعراء الحداثة الشعرية ونقادها المنظرين رؤيا، أي : التقاط شعري وجداني للعالم يتجاوز الظاهر إلى الباطن، ويتجاوز حدود العقل وحدود الذاكرة والحس، ليكشف علاقات جديدة تعيد القصيدة في ضوئها ترتيب الأشياء، وخلق عوالم جديدة تنصهر فيها تجربة الشاعر باعتباره مبدعا، وتجربة المتلقي باعتباره مشاركا الشاعر في تلك التجربة».
وبذلك، فإن مصطلح الرؤيا يقابل لفظة الرؤية التي تعني النظرة الثابتة والحسية التي تلتقط الأشياء في مظاهرها الخارجية. من ثم، فإن الفرق بين الرؤية والرؤيا هو «بالذات ذاك الفرق الموجود بين الحقيقة الواقعية والحقيقة الفنية أو الشعرية. الشعر ليس مجرد نظم أو محاكاة للنماذج القديمة، كما كان الأمر عند شعراء البعث والإحياء، بل هو تعبير خاص مرتبط برؤيا الشاعر، تلك الرؤيا التي لا يستند فيها المبدع إلى الحقائق المتعارف عليها والمتداولة بين الناس. إنه ـ بمنطق الرؤيا ـ يستوحي حركية التاريخ الإنساني، ويقرأ من زاويتها قضايا عصره، محققا بذلك وشائج بين التاريخ العام وما تمتلئ به مخيلته من طاقات وقدرات على الخلق المتجدد لعالمه فها هو أبو ماضي يناقش قضيية انتشرت في المجتمع الأمريكي وهي إقدام كثير من الناس في مختلف الأعمار على الانتحار هروبا من قسوة الحياة المادية التي تخلو من المشاعر الإنسانية مستعينا بالأسلوب الحكائي موظفا للرمز الكامن في حجر صغير شعر في يوم ما أنه قليل النفع عديم الجمال عظيم الهوان.فأخذ قرارا بالانتحار
على هذا الأساس، تعتبر الرؤيا بؤرة توتر في الشعر، وجوهر الانفعال الوجداني، تمكن الشاعر من نسج خيوط لغوية كفيلة بالتعبير عن رؤيته للوجود عبر تجارب واقعية وأخرى متخيلة، تتخطى فيها المقاييس الزمنية لتدع المشاعر تعيش في عالم خاص يمتزج فيه الرمز بالأسطورة كما فعل أبو ماضي في قصيدته بعنوان (الحجر الصغير)،
#أولا_المستوى_التركيبي_أو_الصرفي:
• استعان الشاعر بعدد من الصيغ الصرفية الموحية من نحو : (ذو النجوم) للدلالة على أن الليل العظيم يكتسب جماله من جملة النجوم التي ترصعه والنجم فيها رغم ضآلة حجمه للناظرين إلا أنه شريك فعَّال في حال التلألؤ التي تصدرها النجوم واستخدم (ذو) الدالة على تفعيل ما بعدها ألا ترى أن هناك فرقا بين (الرحيم ) و(ذو الرحمة) ثم واستخدم الفعل المضارع مع جملة الحال للدلة على الاستمرار والتجدد واستحضار الصورة وتصوير الحركة(وهو يغشى ) وحركة الغشيان هي حركة هادئة تغلب فيها ذرات الظلمة ذرات الضوء المنسحبة بسلام واستخدم الشاعرتعبير (المدينة البيضاء)ليصنع طباقا جميلا مع تركيبة
( الليل ذو النجوم) وللدلالةعلى دعة المدينة ومسالمة قاطنيها.
وعبَّرعن حالة السخط والتوتر التي بات عليها الحجر مستخدما صيغا استفهامية( أي شأن يكون في الكون شأني ، وصيغا منفية كثيرة من مثل: (لا رخام أنا) (ولا صخرة )( لست أرضا ) ( لست ماء) (لست درًّا) ( لا أنا دمعة )(ولا أنا عين) (لست خالا أو وجنة حمراء) فنفى عن نفسه جملة من القيم المعنوية والماديةمثل: قيمة العظمة المتمثلة في تمثال الرخام كما نفى عن نفسه قيمة التحمّل كصخرة ونفى عنها القيمة المادية (ولست أرضا)والقيمة النفعية(لست درّا) والقيمة العاطفية (لا أنا دمعة )(وقيمة الانتفاعية (ولا عين)والقيمة الجمالية (لست خالا أو وجنة حمراء) واستخدم صيغة الأمر بتوظيف لام الأمر على المضارع (فلأغادر)في اتخاذه قراره الصعب بالانتحار
#ثانيا_المستوى_النحوي_البلاغي :
ونوَّع بين استخدام الماضي على الحكاية التقديم والتأخير في الاستهانة بوجوده (حجر أغبر أنا)واستخدم ثانية جملة الحال .
(وهو يشكو )للتعبير غضبه ثم شعَّب المشكو منهم ليكثِّف ويصب جام غضبه على الوجود كله (الأرض والشهب والدجى والسماء).
استعان الشاعر بالجملة الاسمية والفعلية في الوصف والتصوير مستهلا القصيدة بالكلمة المفتاحية (سمع) مما ينبئ أن وراء الأكمة ما وراؤها من نبأ مزلزل وحدث عظيم.
– الأسـلـوب فـي مـجـمـلـه أسـلـوب خـبـري، غـيـر مـبـاشـر ( رمـزي ).
-و أسـلـوب الـشـاعـر فـي هـذا الـنـص يـتـسـم بـالـوضـوح و الـسّـلاسـة والـتـمـاسـك بـيـن الـعـنـاصـر. أمـا الـجـديـد فـيـه ( الأسـلـوب ) فـهـو تـوافـر الـمـوضـوعـيـة و الـوحـدة فـالـوحـدة تـتـمـثّـل فـي تـنـاول مـوضـوع واحـد فـقـط. أمّـا الـوحـدة الـعـضـويـة فـفـي تـلاحـم الأبـيـات الـشـديـد. أمـا عـن الألـفـاظ فـقـد جـاءت جـزلـة مـوحـيـة و مـعـبـرة عـن الـمـعـنـى بـوضـوح، تـسـيـل سـلاسـة و عـذوبـة(لا جمالا لا حكمة لا مضاء) لينفي عن الحجر قيم النفعية والانتفاعية والتأثيرية ، وهذا الترتيب التصاعدي نحو الأعلى (الأرض والشهب والدجى والسماء) الأمـر الـذي يـؤكـد صـدق الـعـاطـفـة و خـصـوبـة الـخـيـال.
#ثالثا_المستوى_التعبيري :
• نَسجَ النَّصُّ قصةً قصيرةً تحققت فيها جميع مكونات القصة القصيرة فالشخصية الرئيسة هي الحجر الصغير والليل ذو النجوم والسد ذو البنيان والشخصيات الثانوية أهل المدينة النيام وعناصر الكون من أرض وشهب ودجى وسماء وزمان في هدأة الليل ومكان في المدينة البيضاء وأحداث مسلسلة بين غشيان الليل وتتبعه مصدر الصوت وإصغائه لأنات الحجر ومونولوج يحدث فيه الحجر نفسه حديث الإثارة يستنهض ضعفه ويقنع نفسه بعدم جدواه قياسا لغيره ممن يتمتعون بالمتانة كالسد المرصوص الصلب وهنا يتجلى الصراع الذاتي بين النفس وجلَّادها تتصاعد لغة الصراع الداخلي حتى تأخذ القرار الصعب الخالي من الحكمة الخائب في التقديرحتي تصل بنا الأحداث إلى نقطة التأزم (فلأغادر هذا الوجود) معللا ( إني كرهت البقاء) ووسط هذا الصخب النفسي والتوتر العقلي تأتي لحظة التنوير:
( فإذا الطوفان يغشى المدينة البيضاء) لتستحيل سوداء منكوبة.
•