0 تصويتات
في تصنيف إسلامية بواسطة (3.7مليون نقاط)

خطبة بعنوان: الرجوع إلى السيرة النبوية من خلال سرية الرجيع، في إطار توظيف السيرة النبوية في عملية الإصلاح

خطبة بعنوان: الرجوع إلى السيرة النبوية من خلال سرية الرجيع، في إطار توظيف السيرة النبوية في عملية الإصلاح

تكون الإجابة الصحيحة كالتالي /

الحمد لله الذي نصر الضعفاء بدماء الشهداء، وأرسى دعائم الإسلام بالتضحية والفداء، وأشهد أن لا إله إلا الله نصر بسيرة المصطفىﷺ الحق وهزم العداء، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي حارب الضلال بالاهتداء، ففاز من تتبع خطوات سيرته أسوة واقتداء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه السعداء، وعلى التابعين لهم بإحسان ما استجاب الله تعالى الدعاء ولبى النداء.

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون، أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته. 

دعونا اليوم لنرجعَ إلى سيرة رسول اللهﷺ، نستطلع أسرارها، ونستكشف مكامنها، لنُطل بكم من خلال هذا الشهر شهر صفر، على حدث من سيرة المصطفىﷺ وقع فيه، هذا الحدث يسمى بـ"سرية الرجيع". 

وسيرة المصطفىﷺ هي المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم؛ بل هي المذكرة التطبيقية لأحكام القرآن، أو قل إن شئت: هي القرآن العملي؛ وقد كان خلقه القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها؛ ورغم كل هذا فإننا قد جهلنا من هذه السيرة العطرة الكثير، والدليل على ذلك هو سرية الرجيع نفسها، هل سمعتم قط بهذا الاسم؟ فما هي سرية الرجيع؟ لو توجهنا بهذا السؤال اليوم إلى المثقفين منا، لما وجدنا الجواب إلا عند القليل؛ فكيف بعامة الناس؟! 

فتعالوا بنا اليوم إذن لنرفع الستار عن هذا الحدث "سرية الرجيع"، علنا نتعلم وقد ساد جهلنا، علنا نستفيد وقد طالت غفلتنا، علنا نستيقظ وقد تعمق سباتنا.

وينبغي أن نعلم أولا أن السرية هي: المعركة التي لم يشترك فيها النبيﷺ، أما التي اشترك فيها فتسمى بالغزوة، والرجيع: هو المكان الذي شهد هذا الحدث المؤلم في حياة الرسولﷺ.

نعم -أيها الإخوة المؤمنون-؛ إن سرية الرجيع حدث مؤلم، فكيف ذلك؟

ففي شهر صفر من السنة الرابعة من الهجرة، جاء إلى النبيﷺ قوم من قبيلتَيْ "عَضَلَ، والقَارَة"، فادَّعَوْا الإسلام، وأن في بلادهم مسلمين هم في حاجة للتوعية والإرشاد، في حاجة لمن يعلمهم الدين ويقرئهم القرآن؛ وكل ذلك في الحقيقة إنما هو مكر وخديعة، فهم لم يسلموا، ولم يوجد في بلادهم الإسلام كما يدعون.     

والمكر ضد الإسلام ليس وليد اليوم؛ بل جذوره قد تعمقت في أرضية التاريخ، فقد ولد بولادة الإسلام نفسه، وإن اتخذ اليوم ألوانا وأشكالا، ويشتد هذا المكر على الأمة المسلمة، حين يكون أبطاله من المنافقين، الذين يدعون الإسلام وهو منهم براء، أمثال هؤلاء الذين جاءوا إلى النبيﷺ في سرية الرجيع، فادعوا الإسلام وليس في قلوبهم إلا الكفر؛ فأحفاد هؤلاء اليوم أشد خطرا على الإسلام من الكفار؛ لأنهم يحاربون الإسلام باسم الإسلام، ونحن اليوم لا نخاف على الإسلام من أعدائه بالقدر الذي نخاف عليه من أدعيائه. 

فعندما جاءه هؤلاء الأدعياء المنافقون إلى الرسولﷺ، عاملهم حسب أقوالهم ومظهرهم، وما نبش عن قلوبهم ونياتهم؛ لأنهﷺ يريد أن يعلمنا أن الله وحده سبحانه هو الذي يتولى السرائر، هو وحده سبحانه يعلم ما تخفي الصدور، وما توسوس به النفوس، وكل همهﷺ توعية الناس وإرشادهم وهدايتهم؛ ولذلك استجابﷺ لهؤلاء، فأرسل معهم عشـرة من الصحابة، وجعل أميرهم عاصم بن ثابت ليعلموا لهؤلاء القرآن في بلادهم، و«خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وكان من سنتهﷺ، ألا يرسل جماعة: ثلاثة فما فوقها، إلا جعل واحدا منهم أميرا، يأمر فيطاع في غير معصية.

فلما وصل هؤلاء الصحابة الدعاة العشرة، إلى مكان اسمه "الرجيع"، غدر بهم هؤلاء الأدعياء المنافقون، فاستنفروا ضدهم قبيلة اسمها "بنو لحيان"، فهجموا عليهم بمائة رجل مشرك قد ملأ الحقد قلوبهم، ولم يستسلم الصحابة العشرة في البداية؛ لأن الاستسلام الذليل ليس من أخلاق الصحابة، فهم إما أن يعيشوا شرفاء، أو يموتوا شهداء، فقاوموا هذا العدد الذي تجاوز عددهم عشر مرات، فتسلقوا جبلا وهم يقولون: «اللهم أخبر عنا نبيكﷺ»، ولكن الكفار رموهم بالنبال، حتى استشهد منهم ثمانية، وبقي اثنان، فباعوهما لكفار قريش أعداء الرسولﷺ في مكة، وهما: خُبَيْب بن عدي، وزيد بن الدثِنَّة؛ فهل سمعتم قط بهذين الاسمين؛ لو كانا من اللاعبين واللاعبات والمطربين والمطربات، والممثلين والممثلات، الأحياء منهم والأموات؛ لعلمنا منهم كل شيء؛ ولكن خُبَيْبا وزيدا رضي الله عنهما كانا من الذين باعوا أنفسهم لله سبحانه وتعالى.

فرضي الله عن الصحابة الكرام وأرضاهم أجمعين، وجعلنا بسنتهم متمسكين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين…

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين… 

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون. 

• فأما خُبَيْب بن عدي؛ فقد أخذه كفار قريش، واتفقوا على قتله وصلبه على جذع نخلة، بعد أن خيروه بين الحياة مع الكفر، أو الموت على الإسلام، فاختار الموت على الإسلام؛ فلما أرادوا تنفيذ الإعدام عليه طلب منهم أن يصلي ركعتين، فلما صلى توجه إليهم فقال بكل شجاعة: لولا أن تظنوا أن بي خوفا من الموت لزدت في الصلاة، ثم تقدم إلى الجذع وعيناه تذرِفان دموعا ليس أسفا على حياته، ولكنه خوفا من الله سبحانه وتعالى؛ سبحان الله! يخاف من الله وهو يُقَدَّم -رغما عنه- للشهادة! فلم لا نخاف الله تعالى ونحن نتقدم -طوعا منا- للفساد ونضيع العبادة؟! ثم صلب رضي الله عنه حتى فاضت روحه إلى بارئها؛ فكان أول من سن الركعتين عند القتل؛ لأن الصلاة عند الصحابة راحة وطمأنينة، أما نحن اليوم، فأثقل شيء علينا هو الصلاة، {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}.

لقد وصف لنا رضي الله عنه هذا المشهد الرهيب وهو يقدم للإعدام فقال:

لَقَدْ جَمَّعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِـــي وَأَلَّبُوا *** قَبَائِلَهُــمْ وَاسْتَجْمَعُــــــوا كُلَّ مَجْمَعِ

وَقَدْ جَمَّعُوا أَبْنَاءَهُـــمْ وَنِسَاءَهُــمْ *** وَقُرِّبْـــــتُ مِنْ جِــذْعٍ طَوِيـــلٍ مُمَنَّعِ

إلَى اللَّهِ أَشْكُو غُرْبَتِي ثُمَّ كُرْبَتِـي *** وَمَا أَرْصَدَ الْأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي

وَقَدْ خَيَّرُونِي الْكُفْرَ وَالْمَوْتَ دُونَهُ *** فَقَدْ ذَرَفَتْ عَيْنَايَ مِنْ غَيْرِ مَجْــــــزَعِ

وَمَا بِي حِذَارُ الْمَوْتِ؛ إنِّي لَـمَيِّـتٌ *** وَلَكِــــــــنْ حِـــذَارِي جَحْمُ نَار ملفِّع(1)

وَلَسْتُ أُبَالِي حيــــنَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا *** عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي

وَذَلِكَ فِــي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ *** يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَـــــــالِ ‌شِلْوٍ ‌مُمَزَّعِ(2)

• وأما زيد بن الدثِـنَّـة؛ فقد برهن هو الآخر على إيمانه الكامل، وعلى محبته الصادقة للمصطفىﷺ بصورة أبهرت المشركين وسلبت منهم الألباب، وفتحت عليهم للحيرة ألف باب وباب، وأوقعتهم في بحار من العجب العجاب، فعندما قدموه للقتل، قال له أبو سفيان: أتحب أن يُقتَل محمد مكانك وأن تكون أنت في أهلك، فقال رضي الله عنه: والله ما أحب وأنا في هذا المكان، وأنا أقدم للإعدام، أن يصاب محمدﷺ بشوكة وهو في أهله، فقال أبو سفيان وقد فغر فاه منبهرا: ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا(3)، والحق ما شهدت به الأعداء. 

ألا فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ...

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (3.7مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
خطبة بعنوان: الرجوع إلى السيرة النبوية من خلال سرية الرجيع، في إطار توظيف السيرة النبوية في عملية الإصلاح

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
1 إجابة
مرحبًا بك إلى موقع مدينة العلم، حيث يمكنك طرح الأسئلة وانتظار الإجابة عليها من المستخدمين الآخرين.
...